خدمات عبر الانترنت

السياسة الوطنية للضمان الاجتماعي

 مقــدمة:

تعكس المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية لأي بلد مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي وهي أيضا مرآة لمستوى التشاور بين مختلف الفاعلين في الساحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يرتبط التطور التاريخي لأنظمة الحماية الاجتماعية، ولاسيما أنظمة الضمان الاجتماعي عبر العالم، ارتباطا وثيقا بتاريخ مختلف الحركات الاجتماعية التي ميزت البشرية.
ويكتسي الضمان الاجتماعي اليوم أهمية بالغة في حماية العمال وعائلاتهم، نظرا لانعكاساته الايجابية  على توزيع  الدخل القومي وعلى أداء الاقتصاد الوطني وهو ضابط هام عبر تاريخ تطوره،  سواء بالجزائر  أو على الصعيد العالمي.
يعتبر الضمان الاجتماعي في الجزائر، جزء من المحيط المباشر للعامل وعائلته.
عرفت منظومة الضمان الاجتماعي بالجزائر منذ نشأتها وحتى اليوم، تطورا مكثفا ومتواصلا وعلى نحو أدق، منذ نيل البلاد لاستقلالها سنة 1962 . تم تسجيل تحسنا كبيرا، من بينها نذكر، لاسيما التوجه نحو تعميم الحماية الاجتماعية من خلال توسيع نطاقها لتشمل فئات واسعة من السكان مع تبسيط الإجراءات لتخويل الحق في الضمان الاجتماعي.

1/ وضعية الضمان الاجتماعي قبل و بعد الاستقلال:

1/1 تاريخ الضمان الاجتماعي قبل الاستقلال:

بصفته مؤسسة، كان الضمان الاجتماعي في صلب انشغالات جميع الأطراف الفاعلة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد. ويتميز تاريخ الضمان الاجتماعي خلال الاحتلال بغياب المساواة والعدل الواضح تجاه الشعب الجزائري.

إن العلاقة العدائية بين العامل الجزائري وصاحب العمل المستعمر كانت معقدة بالجزائر لأن العمال الجزائريين كان عليهم الوقوف في وجه أصحاب العمل في إطار نضالهم لانتزاع أولى القوانين المتعلقة بالضمان الاجتماعي بعد مرور مدة طويلة على اعتمادها  في سنة 1945 بفرنسا.

هذه العدائية بين العمال والمستعمر وأرباب العمل القائمة على خلفية الكفاح من أجل الحرية والاستقلال هي التي ميزت تاريخ الضمان الاجتماعي وهذا ما يفسر أن العمال الجزائريين لم يتمكنوا من الاستفادة من نفس المزايا التي يستفيد منها الفرنسيون.

وترتب عن التحركات الجديدة للعمال وعلى وجه الخصوص خلال الفترة الممتدة ما بين 1947 و1949 إصدار الأمر المؤرخ في يونيو 1949 الذي مكن الجزائر من الاستفادة من نظام للضمان الاجتماعي والتقاعد بالنسبة للنظام العام والذي لم يسري مفعوله إلا  سنة 1950 بالنسبة للتأمينات الاجتماعية وسنة 1957 بالنسبة للشيخوخة.

وبفضل النضالات المتواصلة للعمال الجزائريين، تم افتكاك حقوق جديدة سنة 1949 من خلال إدراج المنح العائلية. لكن خلافا لأحكام قانون الأسرة الفرنسي، فقد كان هذا الإجراء تعسفيا وقام باستبعاد أجراء القطاع الفلاحي، مما انجر عنه حرمان للأغلبية الساحقة للشعب الجزائري من هذه الاداءات وذلك لتمركز اليد العاملة الجزائرية بالقطاع الفلاحي. ولم يستفد عمال القطاع الفلاحي من المنح العائلية إلا في سنة 1956.

لقد تأكدت الإدارة الاستعمارية من خلال المطالب الاجتماعية للعمال الجزائريين، من أن هذه المطالب تحمل طابع سياسي قائم على النضال من أجل افتكاك الحرية واستقلال البلاد.
وقد عمد أرباب العمل الفرنسيون والإدارة الاستعمارية إلى إرجاء تطبيق قوانين الضمان الاجتماعي بالجزائر التي تم التصويت عليها بفرنسا سنة 1945، إلى سنة 1949، علاوة على ذلك، تم تعديل مضمون هذه القوانين بالنسبة للجزائر، قصد تقييد نطاقها.

ويجدر التذكير ببعض الخصائص ذات الطابع التمييزي تجاه العمال الجزائريين التي  ميزت تطبيق الأمر الصادر سنة 1949 منها:

–   مركزة السلطات صاحبة القرار مع نظام بيروقراطي معقد،
–  الشك في كل طالب حق من أصل جزائري وكذا الرقابات المتعددة والمهينة، الرامية إلى  جعل المؤمن لهم اجتماعيا يتراجعون عن مطالبة حقوقهم.
–  تعقيد التشريع والشروط المفروضة لتخويل الحق التي لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتعلقة بالحالات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

وبالرغم من التقييد، فقد اصطدمت القوانين بتردد ومعارضة المستعمر أو أرباب العمل فيما يخص تطبيقها، لاسيما تجاه الجزائريين في حين أنه يتم منح مزايا خاصة في مجال الضمان الاجتماعي للقطاعات الحساسة و الضرورية للمؤسسة الاستعمارية.

كان رب العمل المستعمر يقوم بتفضيل  القطاعات الأساسية  للقوة الاستعمارية، بغرض ضمان استقرار للمستخدمين الضروريين لسير الاقتصاد الاستعماري.
وهذا ما يفسر المسار الذي انتهجه الضمان الاجتماعي بالجزائر.

وقد مس الضمان الاجتماعي بالدرجة الأولى الوظيف العمومي وقطاعات بعض المصالح كالكهرباء والغاز، السكك الحديدية والمناجم والبنوك والتأمينات علاوة عن بعض مصالح
لقد تم انتهاك المبادئ الأساسية للضمان الاجتماعي والتضامن بين المشتركين لمختلف قطاعات النشاط ووحدة نظام التنظيم.

ومن خلال هذه اللمحة التاريخية للضمان الاجتماعي ببلادنا، نسجل فارقا بالغ الأهمية في درجات التطور ووتيرة التقدم وكذا الأهداف المسندة لمختلف أنظمة الحماية الاجتماعية التي وضعت من قبل القوة الاستعمارية.

تم إدراج الأنظمة مع مراعاة مصالح المستعمر، مع وضع شروط صارمة للاستفادة منها، مما دعم عوامل إقصاء الجزائريين من الاستفادة من الحماية الاجتماعية.
عرف إنشاء وتطوير الضمان الاجتماعي بالجزائر ضغوطات نتجت عن الوضعية السياسية والتي ميزها الاضطهاد المزدوج من سيطرة استعمارية واستغلال ذو طابع رعوي.
ويضاف لذلك تحايل المستخدمين، الذين يستعملون في الغالب يدا عاملة جزائرية دون التصريح بها ولم يكن لهؤلاء العمال إلا الرضوخ إلى هذه الشروط، بسبب البطالة الهيكلية، التي كانت سائدة آنذاك.

في النهاية، فإن الحماية الاجتماعية لم تمس سوى فئات محددة من السكان الجزائريين.

 1/2  وضعية الضمان الاجتماعي بعد الاستقلال:

لقد تعرض الضمان الاجتماعي لخسائر كبيرة غداة الاستقلال، على غرار كل قطاعات النشاط.
تعرضت جميع هيئات الضمان الاجتماعية لهجمات إجرامية ارتكبها المستعمر قبل رحيله. حيث تم تدمير زهاء 80% منها، بصفة جزئية أو كلية مما أدى إلى حرق الأرشيف وملفات المؤمن لهم اجتماعيا.
لقد تدهورت الوضعية المالية لهيئات الضمان الاجتماعي بسبب نهب الأموال.

إن الفرار الجماعي لأغلبية موظفي الضمان الاجتماعي ترك إدارة منهكة وبدون تأطير في بعض الحالات. وبفضل تجنيد العمال الجزائريين والدعم القوي للسلطات السياسية الجزائرية، تم إنعاش هيئات الضمان الاجتماعي في ظرف قياسي، كما تمت إعادة تكوين الملفات وإعادة دفع الأداءات لفائدة المؤمن لهم اجتماعيا.وعليه، وابتداء من سنة 1962 تم تنصيب على رأس كل هيئة للضمان الاجتماعي مجالس إدارية ولجان مؤقتة من أجل ضمان تسيير أفضل للتأطير لهذه الهيئات.

صورة لإدارة الضمان الاجتماعي في  سنة 1962

2/ تطور منظومة الضمان الاجتماعي  من 1962 إلى غاية 1983:

يبين تحليل النظام الجزائري للضمان الاجتماعي خلال الفترة الممتدة من 1962 إلى غاية 1983، تطورا تدريجيا وملحوظا، سواء على الصعيد القانوني أو التنظيمي.
كان نظام الضمان الاجتماعي المعروف بتعدد الأنظمة (11 نظام للضمان الاجتماعي) يمنح امتيازات متباينة ومهيكلة على الصعيد الإداري من خلال 20 هيئة مكلفة بتسيير النظام العام للقطاع غير الفلاحي(صناديق النظام الخاص29) صندوقا للنظام الفلاحي و13 صندوقا للمساعدة المنجمية.

    مركز ميكانوقرافي لصندوق الضمان الإجتماعي

دفع هذا التنظيم وطريقة سير منظومة الضمان الاجتماعي السلطات العمومية إلى اتخاذ تدابير من شأنها إعادة هيكلة المنظومة  وتحسين الامتيازات الممنوحة للمؤمن لهم اجتماعيا وتوسيع نطاق تطبيق الضمان الاجتماعي، ولاسيما لفائدة فئة الأشخاص المعوزين الذين تم إقصاؤهم من بعض الامتيازات.

ظهرت إرادة إعادة هيكلة المنظومة ابتداء من سنة 1963، مما قاد إلى تبني سلسلة من الإجراءات، التي كانت موجودة قبل إصلاحات منظومة الضمان الاجتماعي لسنة 1983.
ويتعلق الأمر بضم الصناديق القديمة للنظام العام ودمجها في ثلاثة صناديق كبرى جهوية في سنة 1963: وهي صندوق التأمينات الاجتماعية لناحية قسنطينة وصندوق التأمينات الاجتماعية لناحية وهران وصندوق التأمينات الاجتماعية لناحية الجزائر

 ارشيف الصندوق الجزائري للتأمين على الشيخوخة (1970)

حيث تم استكمال هذا الإجراء عن طريق إعادة تنظيم الصندوق التنسيقي، ثم إنشاء في سنة  1964 الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي خلف الصندوق التنسيقي القديم.
حيث كانت هذه الهيئة تتكفل على وجه الخصوص بتعويض تكاليف أعباء الأداءات  والقيام ببعض النشاطات لحساب صناديق الضمان الاجتماعي وترقية النشاط الاجتماعي والصحي العائلي.

وخلال نفس الفترة، فإن هياكل أنظمة التقاعد عرفت بدورها تحولات كبيرة وتم حل كل الأنظمة للتقاعد التكميلي. كما تم إنشاء نظام وحيد أسندت مهمة تسييره إلى الصندوق الجزائري للتأمين على الشيخوخة. غير أن هذا النظام لم يكتسي طابعا إجباريا.

كما عرف قطاع التقاعد لغير الأجراء تحولات عميقة. تم دمج  الصناديق الجهوية الثلاثة في صندوق واحد الذي كان يسير تقاعد هذه الفئة من المواطنين.

وتم أيضا تحويل نظام قطاع المناجم. حيث تم إلحاق كل صناديق الإنقاذ المنجمي  بصندوق الضمان الاجتماعي للمناجم في سياق حركة التوحيد التي تم الشروع فيها في سنة 1970.
وفي سنة 1970، تم إصدار نص هام ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 01/08/1970 والذي جاءت أحكامه لتكييف سير النظام العام والذي نص ولأول مرة على منع المطلق المساس بموارد الضمان الاجتماعي وعدم إمكانية حجزها.

وعليه، تمت إعادة تنظيم و إدماج أنظمة الصناديق السابقة للتضامن وتلك المتعلقة بالطلبة الذين كانوا تابعين لصندوق الضمان الاجتماعي للموظفين ضمن صناديق النظام العام.
وعلى أساس هذا النص، وخلال شهر يوليو سنة 1972، تم تنصيب مجالس لتسيير الصناديق الثلاثة.

وفي شهر يناير 1974، صدر أمر ينص على توحيد وصاية الوزارة المكلفة بالعمل و الشؤون الاجتماعية على جميع أنظمة الضمان الاجتماعي.
ينص نفس الأمر على إنشاء لجنة وطنية لإعادة إصلاح الضمان الاجتماعي مكلفة باقتراح على وزير العمل والشؤون الاجتماعية إجراءات إعادة إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي.

وخلال سنة 1977، أطلقت عملية اللامركزية والتي تمثلت في إنشاء هيئة للضمان الاجتماعي على مستوى كل ولاية.

لقد ترتب عن إشكالية الضمان الاجتماعي في فترة ما بعد الاستقلال، والمطروحة ابتداء من سنوات السبعينات إجراء إصلاح عام للضمان الاجتماعي قامت به السلطات العمومية بالاشتراك مع الممثلين النقابيين.

وارتكز إصلاح الضمان الاجتماعي على:
–    توحيد الهياكل،
–    توحيد الامتيازات،
–    توسيع فئات المستفيدين.

وكانت هذه المبادئ تهدف إلى إعطاء لمنظومة الضمان الاجتماعي مهمتها التاريخية المتمثلة في منظومة قوية للحماية ضد قسوة الحياة.

لم تكن التعديلات الهيكلية التي أدخلت على مستوى أداءات الضمان الاجتماعي  وتوسيع نطاق المستفيدين منها، كافية لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد خلال الفترة 1970-1980.

وهكذا، كانت التدابير الواردة ضمن مشروع إصلاحات المنظومة، ترمي إلى إجراء التصحيحات اللازمة في رفع بعض الأداءات التي كانت تشكل في بعض الأحيان المورد الوحيد للعامل وذوي حقوقه مع التحضير لتطويرها من حيث التنظيم وتوحيد النظم  وعصرنة الإدارة.

الصفحات: 1 2



وسائل الاعلام الاجتماعية

وزارة العمل و التشغيل و الضمان الاجتماعي
الصفحة الرسمية

يوتيوب